الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا FNMF
تأسست هذه الرابطة عام 1985 وجاءت كمشروع منافس لمسجد باريس القريب رسميا من الجزائر.
وتتكون هذه الرابطة من جمعيات إسلامية مغربية موالية للمغرب وأخرى تركية تمثل الإسلام التركي في فرنسا. وكانت الدولة الفرنسية قبل تأسيسها للمجلس الفرنسي للديانة الاسلامية CFCM تلجأ إلى استشارة هذه الرابطة في تسيير شؤون المسلمين : من قبيل إصدار القوانين والتراخيص لقاعات الصلاة والمساجد وغيرها… وتسيّر هذه الرابطة ما يربوا على مائة وخمسين جمعية…
وكان المؤسسون الاوائل لهذه الرابطة هم من الفرنسيين معتنقي الاسلام من بينهم مفكر فرنسي مسلم اسمه يوسف دانيال لكلير Daniel youssef LECLERC رفقة فرنسي آخر اسمه ” يعقوب جاك روتي” Yakob Jacques Roty، وهو صوفي على الطريقة النقشبندية .. إضافة إلى “أيوب لسور ” Ayoub LESEUR وهو أيضا فرنسي اعتنق الاسلام حديثا، وكان شارك في الجهاد الأفغاني ضد السوفييت. ثم انضم سريعا لهؤلاء كل من اتحاد المنظمات الإسلاميةUOIF وجمعية الطلاب المسلمين في فرنسا EMF .
شاركت هذه الجمعيات وغيرها في المؤتمر التاسيسي للفيدرالية الجديدة عام 1985. وقد تمخض هذا المؤتمر عن الإنشاء الرسمي للفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا. وكان الرئيس المنتخب هو يعقوب جاك روتي YACOUB JACQUES ROTY . وسرعان ما انضمت لهذه الفيدرالية الوليدة كافة الجمعيات الاسلامية في فرنسا المتذمرة من طريقة تسيير مسجد باريس لشؤون المسلمين.
بعد انتخابه بعام واحد، قدم ” يعقوب جاك روتي” استقالته بسبب الخلافات الداخلية في المؤسسة الوليدة. وحل محله أيوب لسور Ayoub LESEUR . وكان من الاهداف الأساسية لهذا الرجل إنشاء إسلام يهتم بالمسلمين وبمشاكلهم الحياتية كتوفير اللحوم الحلال والحفاظ على الحجاب . وقد انتقد بشدة تسيير مسجد باريس قائلا أن عميده الشيخ عباس ماهو إلا موظف للجزائر وأن الموظف لا يمكن أن يهتم لشؤون المسلمين ودعاه للاستقالة من منصبه وإعطاء الفرصة لآخرين أكثر اهتماما بشؤون المسلمين منه. لكن هذا الكلام لم يعجب العميد عباس ، فصمم على وئد الفيدرالية الوليدة في مهدها، انتقاما من تصريحات “أيوب لسور ” ، واستنجد في ذلك بوزارة الداخلية الفرنسية ، المسؤولة عن مراقبة الأديان..
لقد قام عميد مسجد باريس الشيخ عباس بالتعبئة عام 1986 لتنظيم مؤتمرات جهوية للمسلمين في جميع أنحاء فرنسا تمهيدا لإنشاء مجلس استشاري موسع يشمل كافة أطياف المسلمين في فرنسا. ونشأ إثر تلك المؤتمرات ما سماه وزير الداخلية الفرنسي آنذاك بالمجلس التفكيري من أجل إسلام فرنسي ” ، Conseil de réflexion sur l’islam de France ، وعُرف اختصار باسم CORIF.
هذا المجلس سيختفي فيما بعد ويحل محله المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية CFCM .
وقد استُدعيتْ لهذا المجلس المسمى بـ CORIF، جميع الشخصيات التي أسست الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا وكان من أبرزهم يعقوب جاك روتي JACQUES ROTY YACOUB وعميد مسجد أفري كوركورون الشيخ خليل مرّون ، وعبد الله بن منصور عن اتحاد المنظمات الاسلاميةUOIF . أما “دانيال يوسف لكلير” العنصر المؤسس للفيدرالية فرفض إنشاء مثل هذا المجلس بحجة أنه سوف يفرّق المسلمين.. وقد برهنت الأيام فيما بعد أنه كان محقا في تنبؤاته وفي مقاطعته لهذا المجلس الجديد.
بعد ذلك بسنوات تعاقب على فيدرالية FNMF رؤساء مدعومون من الحكومة المغربية وخاصة محمد بشاري الذي تلقى دعما قويا من وزير الداخلية المغربي آنذاك إدريس البصري ووزير الشؤون الدينية عبد الكبير علوي. ولما تزايد نفوذ المغرب على الفيدرالية انسحب الفرنسيون المؤسسون وخاصة دانيال يوسف لكلير YOUSSEF LECELC DANIEL ، وانسحبت أيضا الجمعيات التركية .. فتقلص دور الفيدرالية في الإهتمام بشؤون الإسلام .. وتم استيلاء المغرب عليها بشكل تام ، وأضحت ذات صبغة مغربية خالصة بعد أن كانت الممثل الأكبر لكافة المسلمين بشتى أعراقهم في فرنسا.
بعد استيلاء المغرب عليها، لم تقدم فيدرالية FNMF أي نتائج ملموسة على الارض كما كان منتظرا منها بل نخرتها الخلافات والطموحات الشخصية، لدرجة أن البعض وصفها بالقوقعة الفارغة. و ظلت تعمل باتصال وثيق مع جميع القنصليات المغربية على التراب الفرنسي وتحاول جهدها أن تحد من نفوذ مسجد باريس القريب من الجزائر والجمعيات الموالية له.
ويظهر أن استيلاء المغرب على هذه الفيدرالية لم يكن إلا نوعا من وضع اليد على المغاربة المقيمين في فرنسا ومعرفة أسماءهم وأسماء عائلاتهم ، ومراقبة أنشطتهم ، ومتابعتهم – إن اقتضى الأمر- عندما يرجعون في عطل الصيف لبلدهم الأصلي. فقد ذكر لي أحد كبار السن من المغاربة التقيت به مرارا في أحد المساجد أنهم كانوا يخضعون لتفتيش دقيق عند حدود المغرب قادمين في سياراتهم من فرنسا لقضاء عطلة الصيف مع ذويهم في المغرب، وذكر لي الرجل أن من وجدت الشرطة المغربية عنده أشرطة للشيخ كشك فإنها تصادر منه، ويؤتى به لمقرات الشرطة للتحقيق. ويرجع الأمر في ذلك أن الشيخ كشك رحمه الله ، كان وصَفَ الحسن الثاني في أحد أشرطته بالخنفساء. ومنذ ذلك الوقت دأبت السلطات المغربية في التفتيش عن كل من يستمع لأشرطة الشيخ كشك رحمه الله ومضايقته ومصادرة الأشرطة منه.
إن هذا الصراع والتشرذم بين كل التنظيمات الإسلامية الآنفة الذكر يبيّن للناظر الدور السلبي الذي تلعبه القنصليات الأجنبية في عرقلة تنظيم الإسلام في فرنسا.. إنهم لا يريدون للإسلام أن يرتفع له شأن في هذا البلد.
ولقد ضربت الخلافات الشخصية المستمرة بين الفرقاء بكاهلها على مسلمي فرنسا وانعكست على قدرتهم في الاندماج السلس في المجتمع الفرنسي… وجعلتهم فريسة لكل الساسة الذين تعاقبوا على تسيير فرنسا ؛ فسنوا ضدهم قوانين لم يعرف التاريخ مثيلا لها من قبل من حيث صرامتُها وعنصريتُها. ولولا هذه الصراعات الداخلية بين المسلمين لمَا فكر البرلمان الفرنسي ولا نوابه لحظة واحدة في منع المسلمات من الحجاب ولا في الحد من حريتهن ولا في منعهن من التعليم…
ومن المؤسف حقا أن الصراعات الداخلية بين الإخوة الجزائريين والمغاربة يقوم بتأجيجها حكومات بلادهم عن طريق عملاء القنصليات والسفارات ؛ فيحرِّض بعضهم على بعض من أجل السيطرة على المنظمات والجمعيات الإسلامية التي تتولى رعاية الإسلام … فأصبح المسلمون البسطاء هنا في فرنسا هم الضحية لهذا الصراع الذي استفادت منه بكل حنكة وذكاء كل اللوبيات الصهيونية النافذة في فرنسا لتمرير مشاريعها ضد المسلمين في هذه البلاد.
فإلى متى تستمر حكومات هذه البلدان في العبث بوحدة المسلمين؟
هامش:
هذا المقال مقتبس من كتاب ” فرنسا التي رأيت ” للمؤلف محمد عبد الله ولد المرواني.