مجلس الـCFCM ، ح2
بداية تأسيس مجلس CFCM
:
قبل وجود مجلس CFCM ، كان مسجد باريس منذ بنائه سنة 1922 هو الممثل الحصري للإسلام والمسلمين في فرنسا. لكن قربه من المؤسسة العسكرية الجزائرية ومن نظام الجزائر وابتعاده عن الإهتمام بشؤون باقي المسلمين من غير الجزائريين، جعل السلطة الفرنسية تفكر في إيجاد مخاطَب آخر يتكلم باسم المسلمين عامة دون وضعهم في خانة إسلام دولة معينة.
ويمكن تلخيص تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية CFCM في ثلاث مراحل رئيسة :
بدأت المرحلة الأولى في عام 1990 مع وزير الداخلية “بيير جوكس ” Pierre JOXE ،في عهد الرئيس الراحل فرانسوا ميتران. حيث عرض هذا الوزير مشروعا جديدا أسماه Le conseil de réflexion sur l’Islam de France ، أي “مجلس التفكير حول الإسلام الفرنسي”. وظلت الفكرة قابعة في أروقة وزارة الداخلية لمدة سنوات ، نظرا للجمود الإسلامي آنذاك، ولتعارض المصالح الشخصية لدى ممثلي الجاليات المسلمة في تلك الفترة.
ثم بدأت المرحلة الثانية في عام 1997 ، وذلك بتحفيز من وزير الداخلية الفرنسي آنذاك “جان بيير شفنماه ” Jean Pierre CHEVENEMENT في فترة رئاسة جاك شيراك JACQUES CHIRAC . وكان الغرض الذي دفع (شفنماه) إلى تحفيز إنشاء مجلس إسلامي هو أن تتحكم الدولة الفرنسية في الإنتشار السريع الذي عرفه الإسلام على التراب الفرنسي، و أن تحد من الفوضى لدى المسلمين، وأن يتم تمثيلهم عن طريق مؤسسة رسمية واحدة تعترف بها الدولة.
وفي يوم 23 نوفمبر 1997 في مدينة ستراسبورغ، في خطاب له بمناسبة إعادة تفعيل المجلس الإسلامي الفرنسي، قال وزير الداخلية “شفنماهChevènement ” ما نصه :
( إن الإسلام دين جديد على فرنسا.. وأن عدد المسلمين وصل إلى أربع ملايين مسلم ، ليصبح الإسلام بذلك هو الديانة الثانية على مستوى الجمهورية الفرنسية. إن نصف المسلمين العائشين على التراب الفرنسيين يتمتعون بجنسية فرنسية ، والباقون مدعوون للحصول عليها… وقد تابعتُ بكل عناية واهتمام جهود الوزراء السالفين في محاولاتهم لدمج الإسلام في إطار قوميتنا الوطنية. إنني أهدف إلى نفس الهدف : المساعدة في إنشاء إسلام فرنسي… لكني أجد أن ثمت تناقضا لدى الإسلام في علاقاته مع العلمانية. إن من الواجب علينا أن ننظم علاقاتنا مع بعضنا البعض، وهذا يفرض وجود متكلم شرعي متفَق عليه من طرف جمهور المسلمين[1])
هذا “المتكلم الشرعي” هو الذي سيسمى بعد سنوات بـ ” المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية” المعروف اختصارا بـ CFCM.
بعد هذا الخطاب، قام وزير الداخلية ” شيفنماه” بإجراء استشارات موسعة مع شتى طوائف المسلمين من جمعيات ومنظمات ومساجد ومثقفين للتشاور حول بنية المؤسسة الجديدة .
أما المرحلة الثالثة والأخيرة فحدثت سنة 2003 في عهد نيكولا ساركوزي ، الرئيس الفرنسي السابق ذي الأصل اليهودي. وفي عهده أُطلق على المجلس تسميته النهائية الرسمية التي هي “CFCM”، أي المجلس الفرنسي للدين الإسلامي : Le Conseil Français du Culte Musulman .
وتم تشكيل كافة هيئاته الجهوية التي يطلق عليها CRCM ، أي المجلس الجهوي للدين الإسلامي. و هي مجالس تقع في داخل البلاد ، وتقوم بتسيير الإسلام تحت رعاية وزارة الداخلية الفرنسية وبالتعاون معها – كما قلنا سابقا – . هذا في حين أن مجالس الديانات الرسمية الأخرى كالكاثوليكية ، والبروتستانتية واليهودية تعمل مستقلة استقلالا تاما عن وزارة الداخلية.
وفي السادس من إبريل 2003 ، قامت أول انتخابات (ديموقراطية) لتشكيل أعضاء المجلس، ووصل عدد الناخبين ما يقرب من أربعة آلاف ناخب من المسلمين، يمثلون 995 مكانا للعبادة ، مابين مسجد كبير وقاعة للصلاة. وحصلت الرابطة الوطنية لمسلمي فرنسا FNMF ، القريبة من المغرب ،على 16 مقعدا من بين 41، وحصل اتحاد المنظمات الإسلاميةUOIF المحسوب على الإخوان المسلمين على 13 مقعدا ، وحصلت الجمعيات والرابطات التابعة لمسجد باريس القريب من الجزائر على ستة مقاعد فقط ، وباقي المقاعد تقاسمتها جمعيات إفريقية وتركية وغيرها…
وحسب الأعراف الديموقراطية البديهية فإنه كان من النظري أن تتسلم رابطة FNMF التابعة للمغرب رئاسة المجلس لكونها حصلت على أكبر عدد من المقاعد. لكن متى كان العرب يحترمون نتائج صناديق الإقتراع ، حتى لو كان الأمر في بلد يدّعي العراقة في الديموقراطية مثل فرنسا. الغريب في الأمر أن رئاسة المجلس انتزعها مسجد باريس، المقرّب من الجزائر ، وهو المسجد الذي حصل على أقل عدد من المقاعد، مما أ ثار استغراب الكثير من المراقبين وشكل خيبة أمل كبيرة لدى المسلمين هنا. وتساءل الناس عن : كيف بمسجد – قريب من الجزائر – لم يحصل على عدد كاف من الأصوات أن يتربع على رئاسة أكبر هيئة رسمية دينية ” ديموقراطية” تمثل كافة أطياف مسلمي فرنسا؟
على رغم أنف الجميع، تسلق الفرنسي من أصل جزائري “دليل بوبكر” كرسي رئاسة المجلس الفرنسي للدين الإسلامي، وهو رجل يتميز خصوصا بمستواه الضعيف جدا في الخطابة باللغة العربية وبقلة معرفته بالثقافة الإسلامية عموما، لكنه ضليع في لغة العجم … و كان من قبل عميدا لمسجد باريس، وقد ورث هذا المنصب عن أبيه. تماما كما يورّثُ رؤساؤنا العرب و ملوكنا المناصب لأبنائهم.
وهنا تجلى العيب الأول الذي اتسم به المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية منذ بداية نشأته : ألا وهو انتخاب رئيسٍ لم يحصل على تصويت الأكثرية. وهو العيب الذي سيظل، فيما بعد، يطبع طريقة عمل وانتخاب رؤساء وأعضاء مجلس CFCM.
وعندما ثارت ضجة حول عدم قانونية استلام المدعو ” دليل بوبكر” رئاسة المجلس، تدخلت وزارة الداخلية الفرنسية وأعلنت أنها اتفقت مسبقا مع بعض المسلمين على تعيين ” دليل بوبكر” رئيسا للمجلس الجديد. ههنا يتجلى دور المخابرات الفرنسية في تسيير الإسلام في فرنسا.
وهنا أيضا تساءل المسلمون : لماذا تتدخل الحكومة الفرنسية في انتخابات مستقلة لمجلس ديني لا علاقة له بالسياسة العامة، وهي الحكومة التي طالما صدعت رؤوس الناس بأنها علمانية لا تتدخل في شؤون الدين، ولا في قضايا الجاليات الدينية؟ ..
لقد بدا واضحا أن ثمت ازدواجية وتناقضا لدى حكومة فرنسا إزاء احترامها لمبدإ العلمانية؛ المبدأ الذي يقضي بفصل شؤون الدين عن السياسة. وبدا أن ثمت تدخلا سافرا مقصودا في تسيير شؤون المسلمين، وأن المجلس الجديد أُسس بنيانه – من أول يوم – على شفا جُرُفٍ هار من احتكار للسلطة والرئاسة بين ثلة من مسيّريه، مدعومة أولا من المخابرات الفرنسية وثانيا من دولة مغاربية معروفة.
رغم كل ذلك، فإن ثمت نقطة إيجابية واحدة يجب التنويه بها، هي أن اعتراف الدولة الفرنسية بالمجلس الجديد والسماح له قانونيا بتشكيل هيئاته يُعتبر بحد ذاته سابقة تاريخية في الإعتراف الضمني بمكانة الإسلام على التراب الفرنسي ، على قدم المساواة – ولو نظريا – مع الديانتين المسيحية واليهودية اللتين تعترف بهما الدولة و تكِنّ لهما كل الإحترام.
[1] http://discours.vie-publique.fr/notices/973145643.html ( Page consultée le 21/11/2016)