مهندسة تُطرد من العمل بسبب الحجاب!
أصدرت محكمة النقض الفرنسية قرارا جديدا يوم الأربعاء الثاني والعشرين من نوفمبر 2017، رخصت فيه للشركات الخاصة بمنع موظفاتها من الحجاب ، خاصة إن كن على اتصال مباشر بالزبناء ، بشرط أن يكون هذا المنع عاما ومنصوصا عليه في النظام الداخلي للشركة.
يأتي قرار محكمة النقض ، إثر قرار محكمة العدل الأوروبية CJUE الصادر في مارس 2017، المتعلق بحالة سيدة مسلمة تدعى أسماء بوغناوي ، مهندسة لدى شركة ميكروبول إينيفير micropole univers . وكانت السيدة تعرضت لشكوى لدى شركتها من عاملة في شركة جروباما Groupama ، التي هي زبون لشركة ميكروبول إينيفير، كان فحوى الشكوى أن المهندسة ترتدي زيا دينيا، لا يتماشى مع حيادية العمال في الشركة.
رفضت المهندسة المتحجبة أن تنزع حجابها، وقدمت ضد شركتها ، ميكروبول إينيفير، شكوى للعدالة الفرنسية تحت مسمى ” التمييز”.
رفضت المحاكم الفرنسية حجة المهندسة المتحجبة، وأعطت الحق للشركة الطاردة للمتحجبة.. فلجأت هذه الأخيرة إلى محكمة النقض ، التي بدورها لجأت إلى محكمة العدل الأوروبية لتستفتيها في القضية قبل إصدار قرار نهائي. فأفتت المحكمة الأوروبية بأن الشركات الخاصة لها أن تمنع موظفاتها المتحجبات من ارتداء الحجاب أو أي إشارة دينية أو فلسفية أو سياسية، خاصة إن كان المتحجبات على اتصال مباشر بالزبناء، مثل حالة المهندسة الآنفة الذكر : أسماء بوغناوي مع شركة جروباما. وقيدت محكمة العدل الأوروبية منع الرموز الدينية في الشركات الخاصة، بأن يكون المنع غير ” محدَّد” ، بمعنى أنه لا يستهدف طائفة معينة من الناس، أو دينا معينا.
اختارت محكمة النقض الفرنسية أن تتبع هذا الرأي، فحكمت به ضد المهندسة المتحجبة، ثم أضافت له شرطا جديدا هو أن يكون المنع من ارتداء الحجاب منصوصا عليه في النظام الداخلي للشركة. وليس بمجرد أمر شفوي من مدير أو موظف.
كان من حظ المتحجبة أن شركة “ميكروبول إينفير” لم تستطع البرهان على أن لها نصا في نظامها الداخلي، ينص على المنع من ارتداء الحجاب، فيكون ، بذلك، طرد المهندسة من وظيفتها بذريعة الحجاب غير قانوني.
وجاء في بيان محكمة النقض ما يلي :
(في حالة ما إذا لم يكن لدى الشركة أي بند في نظامها الداخلي ينص على الحيادية الدينية (أي عدم ارتداء الحجاب) ، فإن طرد العاملة بمجرد عدم طاعتها لأمر شفوي يستهدف زيا دينيا محددا ، فإن ذلك يُعتبر نوعا من أنواع التمييز) ، تقول محكمة النقض ، ناقضة بذلك قرار المحاكم ا لفرنسية التي رفضت شكوى المهندسة المتحجبة.
إضافة لذلك، فقد بينت محكمة النقض أن أي طرد للموظفات المتحجبات لا يجب أن يتم إلا بعد أن تعْرِض الشركة على عاملتها المتحجبة عملا آخر في الشركة.
وبذلك، يكون لزاما على المحاكم الأخرى التي سبقت وأن حكمت في قضية المهندسة المتحجبة أن تعيد النظر في أحكامها من جديد، وأن تمنع الشركة الخاصة من طرد المهندسة بسبب ارتداء الحجاب.
لكن قرار محكمة النقض، يثير بعض المخاوف لدى النساء الإطارات في الشركات الكبرى، اللواتي يرتدين الحجاب؛ إذ أنه يضيف شروطا سهلة على الشركات مما سوف يسمح لأي شركة أن تغير من نظامها الداخلي فتضيف بندا خاصا بـ” الحجاب الإسلامي” وسوف يؤدي ذلك إلى المزيد من إقصاء المتحجبات من قطاع العمل.
هذا ، وقد صدر مؤخرا ، في أغسطس سنة 2016، قرارا سريا في عهد وزيرة العمل ” مريم الخمريMyryam EL KHOMRI ” ، وهي من أصل جزائري . ينص هذا القرار على أن ” النظام الداخلي للشركات الخاصة له أن ينص على بند خاص يتعلق بالحيادية الدينية ويحظر على العاملات ارتداء أزياء لها إيحاءات دينية”
تأتي هذه القرارات السرية والعلنية في إطار سياسة تتبعها فرنسا ضد المتحجبات. وتتميز هذه السياسة بمحاولة توسيع قانون حظر الحجاب من القطاع العام إلى القطاع الخاص، تحت ذريعة احترام مبدإ العلمانية. وكلما توسع الحظر إلى القطاع الخاص ، كلما تطرفت الدولة وتحولت من دولة متسامحة إلى دولة متشددة عنصرية إزاء مواطنيها من أصول مسلمة.
مهما يكن من أمر، فإن هذه القرارات تأتي في سياق تاريخي متوتر تعيشه فرنسا ، لكن الخوف مما يسمى ” الإرهاب” لا ينبغي أن يؤدي بدول كبرى كفرنسا أن تحد من حريات مواطنيها ، وأن تحْجر على نسائها وتضيق عليهن بسبب معتقداتهن الدينية. وسوف تؤدي هذه القرارات السرية والعلنية إلى المزيد من تهميش المرأة وعزلها عن المجتمع.