مسجد باريس الكبير ينسحب من مجلس الديانة الإسلامية الفرنسي
قرر مسجد باريس الكبير، وهو أكبر مؤسسة دينية إسلامية رسمية في فرنسا، أن ينسحب من هيئة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، الـمعروفة بمجلس الـ CFCM. وهذه الهيئة هي الهيئة الكبرى التي تمثل ، رسميا، أصوات كل مسلمي فرنسا.
جاء قرار مسجد باريس، ردا على عدم دعوة رئيس المسجد ، دليل بوبكر، من قِبل قصر الأليزيه إلى حضور حفل التهاني الخاص بأهل الأديان الذي يقيمه الرئيس الفرنسي مع بداية كل سنة .
وجاء في بيان أصدرته إدارة مسجد باريس الكبير، يوم الثالث يناير 2018، أن ( مسجد باريس قرر عدم مشاركته في أي مبادرات تقوم بها السلطات العمومية بشأن تنظيم الإسلام في فرنسا)
واعتبر مسجد باريس في بيانه أن عدم دعوة رئيس المسجد ، دليل بوبكر ، الجزائري الأصل، لحضور الحفل الجمهوري هو ( تهميش جائر، وغير مفهوم ).
وقد رأى بعض المراقبين أن قرار إدارة مسجد باريس الكبير الإنسحاب من المنظمات الممثلة للإسلام في فرنسا، هو قرار مزاجي تابع لبعض الأشخاص المسيِّرين للمسجد، وإلا فإن هيئة المسجد الكبير تمثل جميع أطياف المسلمين ولا مصلحة للمسجد في أن يعزل نفسه بانسحابه من مجلس الديانة الإسلامية.
هذا، ولإدارة مسجد باريس الكبير تاريخ عريض طويل في تشتيت وحدة مسلمي فرنسا، وتسييس الإسلام وعلمنته وإخضاعه لأهواء الحكام من دول عربية وأجنبية.
مثال ذلك ، أزمة بداية رمضان لسنة 2013 الموافقة لـ 1434 هجرية، حيث تملصت إدارة المسجد برئاسة دليل بوبكر، من تعهداتها بتنفيذ قرارٍ مشترك تبنته المنظمات الإسلامية آنذاك، حول اعتماد الحساب الفلكي لتحديد بداية رمضان ونهايته؛ و بُعيد توقيع إدارة مسجد باريس الكبير على الموافقة رجعت عن قرارها، وأعلنت – تحت ضغوط أجنبية – أنها سوف تستمر على نهجها القديم في تبني رؤية الهلال بالعين المجردة. وشكلت إدارة المسجد بذلك ضربة قاتلة لوحدةٍ كانت منشودة في مستهل الشهر الكريم بين المنظمات الممثلة للمسلمين في فرنسا. وراجت آنذاك ضجة كبيرة وتشويش عظيم في أواسط المسلمين الذين بدأوا صيام رمضان في جو يطبعه الكثير من الخلاف والتشرذم وفساد ذات البين.
ذلك، وتنأى إدارة مسجد باريس الكبير بنفسها عن الهموم الحقيقية للجاليات المسلمة، وهي عاجزة كل العجز عن توحيد كلمة المسلمين؛ فقد حاولت في نوفمبر 1993 تشكيل مجلس استشاري لمسلمي فرنسا وفشلت في ذلك، وحاولت في دجمبر 1994 تشكيل مجلس تمثيلي يمثل كل مسلمي فرنسا وفشلت في ذلك، وحاولت في يناير 1995 تأسيس ميثاق مشترك للدين الإسلامي في فرنسا وفشلت في ذلك، لأن الجمعيات والمنظمات الإسلامية رفضت المصادقة عليه، وحاولت في سبتمبر 1996 تأسيس المجلس الأعلى لمساجد فرنسا ولم ينضم له أحد ، ففشلت أيضا في ذلك… كل هذا الفشل يرجع أساسا إلى ارتباط مؤسسة مسجد باريس بأجندة الدولة الفرنسية، و بالأجهزة الإستخباراتية العربية ، وإلى عدم ثقة المسلمين هنا من عرب وغيرهم في المسؤولين الذين يتولون تسيير شؤون المسجد، نظرا لما يتميز به هؤلاء المسؤولون من مزاج شخصي ، ونزاعات جهوية وطموحات شخصية تضر بمصلحة المسجد الكبير.
ويُسيَّر مسجد باريس وأغلب المؤسسات الدينية في فرنسا ، تماما كما تُسيَّر بلداننا في العالم العربي حيث تخضع المساجد هنا للتقلبات المزاجية ، والأجندة السياسية ، والنزاعات القبلية والجهوية والوطنية من هذا الطرف وذاك. وتشكو المساجد كثيرا من توغل المخابرات العربية والأجنبية في تسيير مجالس إدارتها على كافة التراب الفرنسي.
رغم السلبيات العديدة في إدارته، فإن مسجد باريس ، الذي تأسس سنة 1926، يقوم بمجهود تربوي وروحي يستحق التنويه، حيث يقدم بعض الخدمات الجليلة للجاليات المسلمة : مثل إعطاء دروسٍ للغة العربية وتعليم القرآن لأطفال المسلمين.