مسجد باريس الكبير
ملاحظة (ما يَرد في هذا المقال، مقتبس من كتاب ” فرنسا التي رأيت ، لمؤلفه محمد عبد الله ولد المرواني”
مسجد باريس أو المعهد الإسلامي لمسجد باريس. هو القلب النابض للإسلام ا لجزائري في فرنسا. وهو تابع رسميا لحكومة الجزائر. وتدفع وزارة الشؤون الإسلامية الجزائرية عدة ملايين من اليورو كميزانية لتسيير المسجد، ودفع رواتب الموظفين فيه من أئمة ودعاة وأساتذة.. وتدفع الجزائر أيضا رواتب الأئمة العاملين في كل المساجد الأخرى المنضوية تحت لواء مسجد باريس.
كان مسجد باريس هو الممثل الحصري للجاليات المسلمة في سنوات بنائه الاولى. وفي أواخر القرن العشرين ومع اتساع رقعة الاسلام في فرنسا وتزايد أعداد المسلمين وكثرة بناء المساجد ضعُف إشعاع هذه المؤسسة بفعل ظهور مساجد أخرى أكثر حيادية وأكثر بعدا عن السياسة والرسميات. واكتفى مسجد باريس بتمثيل دور الإسلام المائع – الفارغ من محتواه – ذلك الاسلام العلماني الذي تصبو إليه فرنسا واللوبيات الصهيونية المتنفذة و تحيطه بالرعاية جنرالات الحكومة الجزائرية.
وقد لعب مسجد باريس دورا سلبيا كبيرا في تشتيت كلمة المسلمين، خاصة في رمضان 2013-1434 هجرية، حيث تملص من تعهداته بتنفيذ القرار المشترك الذي تبنته المنظمات الإسلامية في اعتماد الحساب الفلكي لتحديد بداية رمضان ونهايته؛ إذْ بُعيد توقيعه على الموافقة رجع عن قراره وأعلن أنه سوف يستمر على نهجه القديم في تبني رؤية الهلال بالعين المجردة. وشكل بذلك ضربة قاتلة لوحدةٍ كانت منشودة في مستهل الشهر الكريم بين المنظمات الممثلة للمسلمين في فرنسا.
رغم سلبياته العديدة، فإن مسجد باريس يقوم بمجهود تربوي وروحي يستحق التنويه، حيث يقدم بعض الخدمات الجليلة للجاليات المسلمة : مثل إعطاء دروسٍ للغة العربية وتعليم القرآن لأطفال المسلمين. و في شهر رمضان يقدم إفطارا للصائمين على مدار الشهر الفضيل، وكنت حضرت مرات عدة – أيام كنت طالبا في إحدى جامعات باريس- للصلاة في هذا المسجد وشاهدت خدمات جيدة تقدم للصائمين ؛ فـ”الشوربة” الجزائرية تعانق “الحريرة” المغربية، والتمور بشتى أصنافها متوفرة، ومختلف أنواع الطعام تجدها بكثرة وتُعرض مجانا للزائرين من المسلمين ومن غير المسلمين…
ونظرا لتزايد عدد المسلمين في باريس، فقد أصبح المسجد يضيق بالمصلين وأمست قاعة الصلاة ضيقة جدا والباحة غير متسعة بما فيه الكفاية حتى أن بعض المصلين يضطرون للصلاة يوم الجمعة خارج حرم المسجد،
يضم مسجد باريس معهدا علميا لتعليم الطلبة وتكوينهم على الإمامة (على الطراز الفرنسي طبعا) وقد اطلعتُ على برنامج المعهد فوجدته خلوا من تلك المواد الإسلامية العريقة كألفية بن مالك وملحة الاعراب ومختصر خليل في فقه مالك، ورسالة القيرواني والمدونة الكبرى والعتبية والعقيدة الأشعرية وغيرها من العلوم والفنون التي تُدرَّس في جوامعنا العريقة في العالم العربي كالأزهر والزيتونة والقرويين ومحاظر بلاد شنقيط.
ثم إن المواضيع المقررة والبرامج تقع تحت مراقبة سرية شديدة من وزارة الداخلية الفرنسية . والخريجون من هذا المعهد ليسوا متضلعين بما فيه الكفاية من العلوم الشرعية وليس لهم القدرة العلمية الكافية لتلبية حاجات المسلمين المتجددة من فتاوى وإجابات حول مستجدات العصر.
وإضافة إلى الميزانية التي تمولها الحكومة الجزائرية ، فإن مسجد باريس، يحصل على إتاوات (ضرائب) مالية معتبرة من خلال مراقبة اللحوم الحلال. ويقدرها بعض المراقبين بأضعاف الميزانية التي ترسلها الجزائر. ويتكتم رئيس مسجد باريس، دليل بوبكر، وأصحابه، على المبلغ الحقيقي الذي يحصل عليه مسجده من هذه الإتاوة.
على كل حال، فإن مسجد باريس كغيره من كثير من المساجد في هذه البلاد، يخلط التجارة والدين والسياسة ، ويبتعد كثيرا عن الهموم الحقيقية للجاليات المسلمة وهو عاجز كل العجز عن توحيد كلمة المسلمين. فقد حاول في نوفمبر 1993 تشكيل مجلس استشاري لمسلمي فرنسا وفشل في ذلك، وحاول في دجمبر 1994 تشكيل مجلس تمثيلي يمثل كل مسلمي فرنسا وفشل في ذلك، وحاول في يناير 1995 تأسيس ميثاق مشترك للدين الإسلامي في فرنسا وفشل في ذلك، لأن الجمعيات والمنظمات الإسلامية رفضت المصادقة عليه، وحاول في سبتمبر 1996 تأسيس المجلس الأعلى لمساجد فرنسا ولم ينضم له أحد ، ففشل في ذلك… كل هذا الفشل يرجع أساسا إلى ارتباط مسجد باريس بالسياسة و بالأجهزة الجزائرية ، وإلى عدم ثقة المسلمين هنا من جزائريين وغيرهم في المسؤولين الذين يتولون تسيير المسجد.