محكمة فرنسية تطالب طبيبا مسلما بتحفيف لحيته
قد تسبب اللحية الكثيفة لصاحبها دعوى قضائية بتهمة ” الإخلال بالواجب المهني وعدم احترام مبدإ العلمانية، وحيادية الخدمة العمومية” ؛ حتى ولو لم يكن صاحبها ” يقوم بأي دعوة أو إشهار لدينه”. هذا ما أكدته المحكمة الإدارية بفرسايVersailles ، قرب باريس.
في حكمها الصادر بشأن فتواها فيما يخص إنهاء أحد المستشفيات العمومية لاتفاقية تدريب بينه وبين طبيب متدرب من أصل مسلم ، قالت المحكمة أنه :
” باعتبار أن اللحية وإن كانت طويلة جدا لا تشكل لوحدها رمزا دينيا متباهيا Ostentatoire ، طالما أنْ لم تكن ثمت عناصر أخرى تبرهن على أن الشخص المعنيّ يتعمد إبراز انتمائه الديني؛ فإن إدارة المستشفى ، بعد أن أعلنت للمتدرب م، ع، أن لحيته كثيفة جدا وأن فرقة زملائه الأطباء ترى فيها إبرازا واضحا لمعتقده الديني، وبما أن الوسط المتعدد الثقافات الذي تتميز به مؤسسة المستشفى يُحتّم على كل العاملين فيه الحيادية التامة واحترام مبدإ العلمانية؛ فإن إدارة المستشفى تطالب بأن يقوم الطبيب بتحفيف لحيته حتى لا تشكّل مظهرا من مظاهر إبراز المعتقد أو الإنتماء الديني لصاحبها”
قرار يثير حفيظة المحامين والحقوقيين
وقد وصف أحد المحامين قرار المحكمة وتعليلها لقضية اللحية بأنه (تعليل غريب وسابق من نوعه) في المحاكم الفرنسية. ويضيف الأستاذ عاصف عارف، محامي لدى محاكم باريس، وهو – من أصل باكستاني- ومختص في قضايا الإسلام والعلمانية، أن المحكمة لم تأخذ بالإستنتاجات السليمة بناء على ملاحظاتها الأولية؛ إذْ أنها تعتبر أن اللحية لا تشكل لوحدها رمزا دينيا بحتا، ولا بد لها أن تترافق مع عناصر مكملة أخرى لتشكل ، ككل، تهمة ” تعمد إظهار الإنتماء الديني”. وإن من أبرز العناصر المكملة هو أن يضغط الشخص المعنيّ على الآخرين كي يمارسوا دينه أو يدعوهم إليه .
وتعترف المحكمة أن هذا الأخير لم يقم بشيء من الدعاية لدينه ولم يضغط على أي أحد بهذا الشأن. بل كان الشخص المعني يكتفي بمطالبة إدارة المستشفي باحترام خصوصيته الدينية وبتركه يفعل ما يشاء بلحيته. في المقابل، كان زملاء الطبيب المعني هم مَن يطالبون مدير المستشفى بعمل شيء ما إزاء لحية زميلهم الطبيب، كونها – حسب رأيهم – تمثل مظهرا من مظاهر التباهي بالرموز الدينية، المحظور في المؤسسات العمومية.
ويستطرد المحامي فيقول أن ( المحكمة – وبطريقة غير مسبوقة – عكست القضية ، فطالبت من الطبيب الملتحي أن يقدم أدلة تبرهن على أن لحيته لا علاقة لها بالرموز الدينية المحظورُ إظهارها في المؤسسات العمومية، في حين أن فريق الأطباء الآخرين هم من ينبغي مطالبتهم بالأدلة على أن لحية زميلهم تعتبر رمزا دينيا متباهيا. لكن الشيء المسبوق ، والذي لم يحصل من قبل ، هو أن المحكمة اعتبرت أن فريق الأطباء لم يأت بما يُلام عليه) ؛ فجاء نص قرار المحكمة كالتالي :
(باعتبار هذه الظروف، يجب أن يُنظر إلى الشخص المعني (الطبيب الملتحي) على أنه أخل بواجباته إزاء احترام مبدإ العلمانية ومبدإ الحيادية في الخدمة العمومية؛ هذا، على الرغم من أن لحيته لم تترافق بشيء من الدعاية إلى دينه ، ولم يمارس أي ضغط على مستعملي الخدمة العمومية)
قرار يكرس اللاتسامح بين الزملاء الأطباء
ويقول المحامي الآنف الذكر أنه (سيكون هناك خطأ قانوني واضح في حالة ما إذا تمت إحالة القضية إلى مجلس الدولة للبت فيها) ويتساءل قائلا ( إذا كانت اللحية لوحدها لا تعتبر رمزا دينيا متباهياOstentatoire ، وإذا كان المعني لم يقم بأي دعاية لدينه ، فكيف يمكن تبرير هذا القرار الذي أصدرته المحكمة؟ والذي سوف تتم ترجمته كنوع من شرعنة اللاتسامح بين فرق الأطباء ، وغض البصر عن ما يقوم به الطبيب الملتحي من عمل للصالح العام)
ويختم المحامي قائلا :
( في الواقع، إن هذا القرار يجسد سوء الظن واللاتسامح لدى بعض الأطباء إزاء زميل لهم لم يُرِد إلا أن يمارس مهنته بهدوء) ، ثم يسأل (يجب أن نعرف اليوم، ما ذا نريد ،كنمط مجتمعي ؟ لأننا – في هذه الأيام – لا نكف عن أن نحرم كل شيء باسم العلمانية!
في بعض الحالات قد يجدي ذلك التحريم، لكن في بعضها الآخر، مثل حالة الطبيب الملتحي، فإن المحكمة الإدارية لم تبرهن فقط على ضعف مستواها في التحليل القانوني للقضية، بل إنها أصدرت قرارا متناقضا وأحمقا. بقي علينا أن ننتظر ما سينتج عنه قرار محكمة النقض)
عن موقع سفيرنيوز