قانون الحاضنات المتحجبات Loi anti-nounou ، حلقة 1
ظروف تشريع القانون
لم تتوقف حملة القوانين المستعرة ضد المسلمين عند هذا الحد، بل توسعت هذه القوانين إلى مجال الحياة الخاصة للأفراد و في ميدان العمل الخاص؛ وذلك بهدف حرمان بعض المسلمات المتحجبات من مصادر الرزق في بلد رأسمالي يستأثر فيه الغني بكل شيء ولا يبقى للفقير إلا فتات من قوت لا يسمن ولا يغني من جوع.
ففي الخامس والعشرين من اكتوبر 2011 ظهر في إعلامهم مشروع قانون جديد يستهدف المسلمين مرة أخرى وهو قانون مقترح من طرف اليسار الفرنسي هذه المرة، هذا اليسار الذي كان يُعرف عنه تميُّزه عن اليمين بكونه أكثر رفقا بالمستضعفين، وأكثر تسامحا وانفتاحا على الثقافات الاخرى … لكن الواقع أثبت المقولة الدينية التي عندنا والتي تقول أن الكفر ملة واحدة أو كما عبر القرآن بشكل أدق حيث قال ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض[1]) .
هذا اليسار قدم مقترحا قانونيا يقضي بمنع كل امرأة مسلمة من ارتداء الحجاب الاسلامي في حالة ما إذا كانت تحضن أطفالا صغارا ؛ لأن هذا الحجاب – حسب مشروع القانون- يؤدي إلى أدلجة الاطفال الصغار وبالتالي التأثير نفسيا عليهم في المستقبل إذْ قد يتدينوا بدين الاسلام…
وقد أثار هذا المشروع غضب الكثير من المنظمات الحقوقية ورأى فيه بعض المختصين في فقه القانون تدخلا سافرا في الشؤون الشخصية للأفراد، حيث أن القانون المقترح يمنع حتى المرأة في بيتها أن تلبس الحجاب وهذا مخالف لمبدإ العلمانية التي تقضي بأن الدين شخصي وأن لا تدخُّل في شؤون الناس الشخصية…
أسباب وبداية نشأة القانون المضاد للحاضنات المسلمات
في سنة 2008 طردت إحدى دور حضانة الأطفال في منطقة باريس عاملة مسلمة بحجة أنها تلبس الحجاب.
تقدمت المسلمة بشكوى إلى القضاء… وبعد سنتين من الضياع والتيه في أروقة العدالة ، رفضت المحكمة في 2010 حجج السيدة المسلمة وألزمتها بقرار دار الحضانة ، وأكدت هذا الحكم محكمة الاستئناف بفرساي Versailles في حكم صدر في الثالث عشر من دجمبر 2012.
وكان من حجج محامي دار الحضانة أنْ قال في مرافعته أن (ارتداء هذه السيدة للحجاب سوف يؤدي إلى تأثر الاطفال وإلى اهتمامهم بهذا الزي الديني وربما يتعمق الحجاب في قلوبهم فيؤثر على حياتهم المستقبلية[2])
وكان من أبرز داعمي دار الحضانة في هذه القضية الوزير الأول السابق مانويل فالز Manuel VALS الذي كان حينها وزيرا للداخلية، كما كان نائبا برلمانيا في تلك الفترة، وكذلك جانيت بوغراب Janette BOUGRAB وكانت سكرتيرة للدولة مكلفة بالشباب والجمعيات وهي من أصل جزائري. ولقد استماتت في الدفاع عن دار الحضانة ووضعت كل ثقلها في منع المسلمة من لبس حجابها في إطار العمل.
رغم الثقل السياسي المتدخِّل في القضية، واصلت السيدة المسلمة صراعها مع القضاء ولجأت إلى محكمة النقض التي نقضت حكم محكمة الإستئناف الصادر ضد المسلمة. حكمت محكمة النقض بفساد حكم المحكمة السابق وأصدرت حكما في 13 مارس 2012 يقضي بإعطاء المسلمة الحق في العمل دون أن تنزع حجابها و كان حجة محكمة النقض في ذلك أن طرْد المسلمة من عملها يمثل ( تمييزا ضد الأفراد بسبب انتماءاتهم الدينية ) وهو عمل يجرّمه القانون.
شكّل حكم محكمة النقض صاعقة على الكثير من السياسيين المعادين للمسلمين ورأوا فيه تحيزا إلى المسلمين وتهديدا “إسلاميا” لفرنسا.
و تدخل وزير الداخلية مانويل فالز فقال في خطابه أمام البرلمان أن حكم محكمة النقض لصالح السيدة المتحجبة يعتبرا حكما جائرا ومعاديا لمبدإ العلمانية.
ثم اجتمعت جماعة من النواب خصيصا لمعاكسة محكمة النقض، وكونت تكتلا يهدف إلى إصدار مشروع قانون يوسّع حظر لبس الزي الديني من القطاع العام إلى القطاع الخاص متحدّين بذلك كل نصوص القانون والدستور …
وكان من دوافع النواب لاقتراح هذا المشروع أن يفسدوا نشوة النصر لدى المسلمين والمنظمات الحقوقية بسبب وقوف محكمة النقض إلى جانبهم … كما أراد النواب بهذا المشروع تنبيه الجاليات المسلمة على أن “الدولة والديموقراطية ” لن يتنازلا قيد أنملة عن حربهما ضد الرموز وقيم الأخلاق الإسلامية …
قدّم النواب مقترح قانونهم لمجلس الشيوخ لدراسة أولية. واستجاب لهم أعضاء المجلس وساندوهم وصادقوا على قانون جديد يهدف إلى توسيع حظر الحجاب إلى الشركات الخاصة في سابقة فريدة من نوعها لقمع الحريات والمعتقدات الدينية في الجمهورية الفرنسية. وسمي هذا القانون إعلاميا بقانون الحاضنات Loi Nounou وسمته المنظمات الحقوقية بالقانون المضاد للحاضنات Loi anti-nounou .
وبتحليل بسيط لألفاظ مشروع القانون يلحظ المتأمل فيه أنه يستهدف أساسا فئة النساء المسلمات اللواتي يلبسن الحجاب في أماكن العمل.
يقترح المشروع في نصوصه (التي سوف أعرضها في الصفحات اللاحقة) أنه في حالة ما إذا لم ينص عقد العمل على لبس زي ديني معين فإنه يُحظر حظرا باتا على الحاضنة أن تلبس حجابا أثناء حضانتها للطفل حتى ولو كانت في بيتها، وإن فعلت فإنها تتعرض لعقوبات قانونية منها الطرد من العمل، والغرامة المالية، وربما السجن إن اقتضى الامر ذلك. ولا شك أن في هذا القانون ما فيه من تمييز عنصري وتشجيع رسمي على إقصاء مواطنات مسلمات من ميدان الحياة العملية وجرّهن إلى البقاء في البيوت وحرمانهن من مورد عيش كريم.
وإضافة إلى صيغته اللاأخلاقية والعنصرية، فإن هذا القانون يخرق كافة النصوص الدولية المعمول بها عالميا ومنها :
- الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر سنة 1948 والذي تُمِّم سنة 1966 بالعقد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية
- المادة 9 من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان
- إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 فبراير 1981 حول إقصاء كل أشكال اللاتسامح والتمييز المنبني على أسس دينية أو عقائدية
- إعلان حقوق الانسان والمواطن الصادر 26 أغشت 1789، أيام الثورة الفرنسية، والذي أُدمج في مقدمة الدستور الفرنسي الصادر 4 أكتوبر 1958
- المادتين 1 و31 في قانون 1905 المتعلق بالعلمانية
رغم كل هذه التشريعات التي أصدروها بأنفسهم ووقعوا عليها وأقسموا أن يحترموها ، فإنك ترى كيف وصلت تشنجات هؤلاء القوم إلى أن يناقضوا مبادئهم ويخالفوا تعهداتهم … وصدق الله ا لعظيم إذ قال (أوَ كلما عاهدوا عهدا نبَذَه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون[3])
في فرنسا أصبح واضحا للعيان أن ثمت حربا تشريعية حقيقية تُشن على المسلمين دون هوادة ؛ حتى ولو اقتضى الأمر ان يكون ذلك على حساب رمي القانون والأعراف والمواثيق والعهود الدولية عرض الحائط.
هوامش
[1] سورة الانفال، الآية 73
[2] نقلا عن La HALD ، (السلطة العليا للمساواة و محاربة التمييز) Délibération n° 2010-82
[3] الآية 100، سورة البقرة.