الإسلام في فرنسا : تقرير أكاديمي صادم
صناعة الإسلاموية
نشر معهد مونتين الفرنسي Institut Montaigne ، الواقع في باريس، تقريرا مطولا عن ظاهرة ما يسمى هنا في الغرب بـ “الإسلامويةIslamisme ” والتطور الإيديولوجي للحركات الإسلامية في العالم العربي.
تكوّنَ التقرير من 620 صفحة ، واحتوى على أربعة أجزاء :
الجزء الأول : تكلم عن نشأة ” الإسلاموية” وتطورها ويحتوي على أربعة فصول.
ناقش الفصل الأول الفترةَ الإستعمارية التي عرفتها الدول الإسلامية وما نشأ عنها من تصادمات بين الحركات الدينية المقاوِمة والجيوش الإستعمارية الغازية ، أو ما سماه المؤلف بـ “التصادم الشرقي- الغربي”. ثم عرّج سريعا على الحركات الإصلاحية التي عرفها العالم العربي بعيد الإستعمار.
أما الفصل الثاني فناقش فيه الكاتب تطور حركتي الوهابية و الإخوان المسلمين . واعتبرهما دعامتي الفكر “الإسلاموي” المعاصر. ثم تكلم عن كبار منظري التيار الإخواني السلفي : حسن البنا، وسيد قطب. و دخل في تفاصيل تأسيس الحركة الوهابية واعتبرها – هي و حركة الإخوان – تحملان خطابا مختلفا تماما ووسائل متمايزة إلا أن هدفهما واحد، حسب المؤلف.
وفي الفصل الثالث تكلم الكاتب عن التطورات المعاصرة وخلص إلى أن الإسلاموية الجديدة تفكر بشكل مستقل عن الغرب ولها رؤيتها الخاصة بها عن العالم. وتكلم عن الحرب في افغانستان وعن ما أسماه ” استقلالية الجهاد autonomisation du djihadisme واستقلالية الخطاب الإسلامي ، ليصل الأمر حسب الكاتب إلى ” إيديولوجية إسلامية فرنسية”.
وفي الفصل الرابع والأخير من الجزء الأول يتساءل الكاتب : لماذا الإسلاموية تصبح فكرة الجماهير في سنوات الثمانينات، أيام الجهاد الأفغاني ضد السوفييت.
الجزء الثاني
أما الجزء الثاني فيحمل عنوان ” في قلب مصانع إنتاج الإسلاموية : Au cœur des usines de production de l’islamisme”
حوى هذا الجزء أربعة فصول :
الفصل الأول تكلم عن ما أسماه الكاتب ” رحلة في بلد الإخوان المسلمين” وناقش فيه نشأة وتطور الحركة وتوغلها في الوسط السياسي والإجتماعي ثم وصولها للسلطة إبان هبات الربيع العربي.
وفي الفصل الثاني تكلم عن ما أسماه ” نظام الإنتاج الصناعي للوهابية في السعودية” ، وناقش تحالف السلطة الدينية مع السلطة السياسية في السعودية ، من سنة 1744إلى 2018 . ثم ناقش تحول المجتمع السعودي من مجتمع مسلم تقليدي إلى مجتمع وهابي ذي صبغة خاصة. ثم تساءل المؤلف عن إمكانية إصلاح الحركة الوهابية.
وفي الفصل الثالث تعرض الكاتب للإسلام التركي ، وتكلم عن حركة العدالة والتنمية التركية واصفا إياها بـ”إيديولوجية إسلاموية في قلب السلطة” ، ثم ناقش العلمانية التركية وتطورَها إلى ما أسماه بـ”الإسلاموية المتسلطة”. ثم ختم الفصل متسائلا عن حال ما أسماه ” الديبلوماسية الإسلاموية” في إشارة إلى رجب طيب أردوغان ورفاقه.
في الفصل الرابع، تكلم المؤلف عن إيران ، واعتبر أن ” صناعة الإسلاموية” فيها هامشية لا ترقى إلى الـمستوى الذي وصلت إليه في العالم السني. وخلص إلى أن انتشار الإسلاموية على الطريقة الإيرانية سيكون محدودا بحكم أقليتها إزاء عدد المسلمين من أهل السنة في بقاع العالم.
الجزء الثالث
أما الجزء الثالث من التقرير فحمل عنوان “انتشار الإسلاموية : رجالاتها ومنظماتها وإعلامها “.
في الفصل الأول من هذا الجزء تكلم الكاتب عن ما أسماه ” ماكينة تصدير سلفية الدولة السعودية” واعتبر أن الحركة الدعوية السعودية تعتبر نوعا من الديبلوماسية السعودية . وتكلم عن أركان الدعوة الوهابية الأربعة التي قال أنها تتجسد في : الإتحاد الإسلامي العالمي ، جامعة المدينة المنورة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية. وقال أن هذه الأركان الأربعة هي الأذرع التي ساهمت بشكل كبير في انتشار الحركة الوهابية عبر العالم.
وفي الفصل الثاني تكلم الكاتب عن الإخوان المسلمين في أوروبا ، وإنشائهم للجمعيات الإسلامية وقاعات الصلاة وبناءهم للمساجد وقيامهم بالتضلع بأعباء الدعوة الإسلامية في الغرب.
وفي الفصل الثالث ناقش الإسلام التركي في أوروبا وتكلم عن منظمة “ميلي غوروس” التابعة للدولة التركية والتي تقوم بأعباء المسلمين الأتراك في الغرب. ثم تكلم عن سيطرة حزب العدالة والتنمية التركي على المسلمين الأتراك في أوروبا.
أما الفصل الرابع من هذا الجزء الثالث فتكلم عن الدعوة السلفية في أوروبا. ومرّ سريعا على حركة الدعوة والتبليغ ، ثم عاد إلى الحركات السلفية في أوروبا وناقش تشكيلها على شكل مجموعات متحكمة في بعض الأماكن والمساجد وقاعات الصلاة.
وفي الفصل الخامس، تكلم المؤلف عن الوسائط الإعلامية والوسائل الثقافية وعن ما أسماه بـ” البروباغاندا الإسلاموية”.
الجزء الرابع والأخير من التقرير، حمل عنوان ” حالة الإسلاموية في الغرب” ، واحتوى هذا الجزء على ثلاثة فصول.
الفصل الأول تكلم عن ما أسماه ” الطائفية الإسلاموية ” في فرنسا ، وتحامل فيه على بعض الحركات الدعوية معتبرا أنها تؤثر بشكل عميق في المسلمين العاديين، كما تحامل على الخطاب السلفي واعتبره مضرا بالوحدة الإجتماعية الفرنسية.
أما الفصل الثاني فتكلم عن الشبكات الإجتماعية ودورها في تجنيد الشباب وإثارة عواطف المسلمين.
وفي الفصل الثالث والأخير من هذا الجزء عرَض الكاتب الحالة الإسلاموية في بلجيكا وبريطانيا وألمانيا.
وبالجملة ، فإن هذا التقرير يشكل ملخصا سريعا عن تاريخ الحركات الإسلامية في العالم العربي ، وهو يعكس نظرة المثقف الغربي السطحية للمسلمين ولدين الإسلام بشكل عام. لم يأت التقرير بشيء جديد ، وهو أشبه ما يكون بمختصرات لكتب تاريخ الحركات الإسلامية والإصلاحية في العالمين العربي والإسلامي.
وقدم الكاتب مجموعة من التوصيات منها إنشاء جمعية مستقلة تهتم بتمويل الإسلام في فرنسا وبتكوين الأئمة ، والمرشدين الدينيين ، و تحارب الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية، واقترح الكاتب أن تسمى هذه الجمعية بـ (الجمعية المسلمة لإسلام فرنسا).
كما اقترح فرض سلسلة من الضرائب على اللحوم الحلال وتحويل الأموال الحاصلة منها إلى الجمعية المذكورة لتقوم بتسيير الإسلام بشكل مستقل عن العطايا والهبات التي تمنحها بعض الجهات.
كاتب التقرير هو حكيم القروي من أصل تونسي، عمل أستاذا الجغرافيا في جامعة ليون 2، وخدم كمستشار للوزير الأول الفرنسي جان بيير رافارين Jean Pierre RAFFARIN سنة 2002، ثم عمل بعد ذلك مستشارا في وزارة الإقتصاد، كما عمل في بنك روتشيلد سنة 2006. و في سنة 2011 ، عمل مستشارا في ديوان ” رولان برجي Roland BERGER” للإستشارات الإستيراتيجية ، وهو ديوان يقدّم الخدمات الإستشارية للحكومة الفرنسية بشأن إفريقيا والشرق الأوسط.
أما معهد مونتين Institut Montaigne ، الجهة التي نشرت التقرير، فهو مجموعة تفكيرية ذات توجه ليبرالي تأسست سنة 2000م ، تضم أساتذة جامعيين ومفكرين ورجال أعمال وممثلين عن المجتمع المدني الفرنسي. الأعمال التي ينشرها المعهد تتمثل أساسا في دراسة التحديات الناشئة عن السياسات العمومية التي تواجه فرنسا وأوروبا على المدى البعيد.